إلى أخوتى.. إلى من تستلهم في حياتهم من التقوى إطاراً ، ومن العلم قيمة ، ومن الصلاح عملاً ... أهـدي هذه الكلمات لكي يدافعوا عن إيمانهم بالتطبيق ، ويظهروا إسلامهم بالقدوة والعمل ، فتفوزا في الدنيا والآخرة ، وتكون لكم الحياة الطيبة . قال تعالى : [ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ].
أخوتى.. تعلمون يا أخوتاه أن منهاج الله منهاج عبادة ، وأن العبادة فيه ذات أسرار ، ومن أسرارها أنها مدد للروح وجلاء للقلب ، وأنها زاد الطريق . ولقد عرف الرعيل الأول من المسلمات هذه الحقيقة ، وأدركن طول السفر ، فتزودن له بخير الزاد .. ( التقوى )
قال تعالى : [ وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ]، فالتقوى هي زاد الطريق إلى الله ، زاد القلوب والأرواح ، والتقوى حساسية في الضمير وخشية مستمرة وحذر دائم ، وما يدفع الهوى إلا التقوى ومخافة الله ومراقبته في السر والعلن .
والتقوى هى التي تهيئ القلب ليلتقي ويستجيب ، قال تعالى : [ الـم * ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ].
والتقوى تجعل في القلب فرقاناً يكشف له الحق من الباطل ويبصره بطريق الحق ، قال تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ويُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ ].
والتقوى الحقيقية يا أخوتاه هي تقوى القلوب لا تقوى الجوارح ، قال تعالى : [ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ].
وقال -عز وجل- : [ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ]. ولذلك يكون المسلم أحرص على إصلاح سره منها على إصلاح علانيته ، ونخشى الله ولا نخشى الناس .
هذه هي التقوى .. وهي غاية عالية وهدف أسمى ، هل أدلك على وسيلة من وسائل تلك الغاية ؟ إنه الصوم يا أخوتاه . قال تعالى : [ يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ]، فالتقوى تستيقظ في القلوب وهي تؤدي عبادة الصوم طاعة لله وإيثاراً لرضاه .
فالصوم يجعل للتقوى القوامة على الجسد وحاجاته ، بل يجعل الجسد مطية للروح ، فيصفو الفكر ويرهف الحس وتشف النفْس . ولذلك فإن الصوم يا أخوتاه يخرج فرداً لا يقبل أن يبيع دينه ببطنه أو فرجه .. وكلما دُعي لعبادة الطواغيت ردد قول يوسف -عليه السلام- : [ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ ].
أخوتى: إن الصوم أسلوب عملي لتربية النفس وتهذيبها وتعبيدها لله رب العالمين ، وإمدادها بعون الله لتثبت في دربها الطويل وطريقها الوعر في مواجهة التحديات والمحن . وذلك لأن الصوم يربي الإرادة ، الإرادة التي تصمد للحرمان وتستعلي على الضرورات وتؤثر الطاعة .
فالصوم يربى إرادة ( الامتناع ) التي هي أصل الإرادة في الإنسان ، وقد كانت تجربة ( الإرادة ) التي خاضها آدم وحواء في الجنة هي تجربة إرادة ( الامتناع ) ، قال تعالى : [ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ].
وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون إرادة الامتناع إرادة مطلقة فقال - صلى الله عليه وسلم : " ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عن شىء فاجتنبوه « ، فأوجب رسول الله الانتهاء عن المنهيِّ عنه مطلقاً ، بينما جعل الأمر بقدر الاستطاعة.
أخوتى : لقد أشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مقام الصائمين الذين استعلوا على أهوائهم وغرائزهم ولجموها بلجام التقوى ، فقال : " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي رب : منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه . قال : فيشفعان " .
وقال -صلى الله عليه وسلم- : » إن في الجنة باباً يقال له : الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد « . وبين -صلى الله عليه وسلم- أن الصوم يكون حجاباً بين صاحبه وبين النار ، فقال : » ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً " .
أخوتى : إن من الأشياء ما لا تدركه الكلمات ، وليس يكفي أن نقول : ( هذا حلو ) إذا لم نتذوق طعمه فمن ذاق عرف ، ومن هذه الأشياء طعم الطاعة لله بالصيام ! ! فجاهدوا أنفسكم بالصوم ، فإنه من أهم عوامل تزكية النفس وبلوغها درجة التقوى وقربها إلى باب الجنة .